جائحة كورونا واليوم العالمي لحقوق الإنسان
المدن بمختلف أحجامها – الكبيرة والمتوسطة والصغيرة – هي موطن لأكثر من نصف سكان العالم وغالبًا ما تكون جزر للحداثة والرفاهية التي تنشط بها المظاهر الرأسمالية.
لكن الكثير من سكان الحضر في العالم لا يزالون يعيشون في ظروف وأماكن غير ملائمة وغير آمنة، والكثير منهم بحالة فقر وبدون فرص عمل. تعكس ظروف الموائل في جميع أنحاء العالم تفاوتات اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية عميقة.
وهي نتيجة العمليات المتسارعة لخصخصة المساحات الحضرية والريفية، والمضاربة، ونزع الملكية، والتي بدورها تؤدي إلى عدم المساواة في الوصول إلى السلع والخدمات العامة الضرورية للحياة اليومية للجميع. تتضح التفاوتات الهيكلية بشكل خاص في معظم أنحاء دول الجنوب الفقيرة وفي العالم، بعد أكثر من ثلاثة عقود من السياسات النيو-ليبرالية التي أعطت الأولوية للعولمة مقابل حياة الإنسان.
إن جائحة كوفيد -19 ليس مجرد أزمة صحية عالمية وحسب، بل هي مؤشر كشفت عن أوجه عدم المساواة الموجودة مسبقًا في عموم المجتمعات، حيث أنتج النظام السياسي الاقتصادي التفاوتات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما أدى لتدمير النظم البيئية، والحيوية لحياة الإنسان.
في مواجهة هذا الجائحة الخطيرة صدر بموجبه إنذار صحي عالمي، دخلت بموجبه المدن في الحجر الصحي بموجب “التدابير المناعية الشاملة للحماية الاجتماعية” مثل برامج “البقاء في المنزل” التي انتشرت بسرعة دون تمييز على أساس الجنس أو الطبقة أو العمر أو العرق أو القدرات البدنية أو العقلية. وتفترض مثل هذه التدابير أن لكل فرد منزل، وإمكانية الوصول إلى المياه الأساسية، والصرف الصحي، والغذاء، والقدرة على العمل من المنزل، والاستفادة من مدخراتهم في فترات الأزمات. وهكذا نشهد تصوراً غير مشروط للدولة باعتبارها حامية أرواح جميع المواطنين. وفعليا تلك نظرة رومانسية لحجر COVID-19، كسيناريوهات حيث يُفترض أن المنزل مكان آمن، والبشر متملكين لقدراتهم وأوقاتهم ويمارسون مرونة في التعاطي معها.
ولكن تلك ليست الا افتراضات، وهي ليست متجذرة في مجتمعاتنا، ولا تتناسب مع قطاعات بشرية كبيرة من الفقراء، والعمال الغير مسجلي في دوائر التأمين الصحي، والمهاجريين، والشعوب المهمشة من الخدمات، بالإضافة للكثير من النساء اللواتي يعشنّ حالة قمع وإهمال في دول العالم الثالث، وتحديدا دول الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.
لهذا أبرز هذا الوباء هشاشة ظروف الإسكان للأشخاص ذوي الدخل المنخفض، في المنازل ذات الظروف الصحية السيئة، وتلك المنازل الصغيرة التي لا توفر إمكانية العزل الاجتماعي للمقيمين فيها، فالملايين من الفقراء وذوي الدخل المنخفض بسبب سياسات الإسكان غير اللائق على العيش حرموا من الوصول إلى الخدمات الأساسية للأمان الصحي.
ابتداءً من الآن، يجب أن نبتكر ونطور استراتيجيات لحماية أولئك الذين ليس لديهم مكان آمن للرعاية الذاتية: الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات محفوفة بالمخاطر يقعون أيضًا ضحية للاعتداءات للاجتماعية، وأولئك الذين يدفعون إيجارًا مرتفعا ولا يملكون موارد مالية للسداد في ظل الحجر الصحي، بالإضافة للناس الذين يعيشون في الشوارع، مثلهم مثل المهاجرين الغير شرعيين.
باختصار، أولئك الذين يجبرون على أن يقولوا لأنفسهم كل يوم: “إذا لم أخرج وأعمل، فأنا لا آكل، ولا يمكنني دفع إيجاري، ويمكن أن يتم إخلائي، أو إطفاء المياه أو الضوء “. وبالمثل، تواجه المجتمعات الريفية أيضًا تحديات متعددة، على سبيل المثال، غالبًا ما تكون الخدمات الصحية والاجتماعية نادرة، في كل من البنية التحتية والموظفين.
حتى الآن، على الرغم من وجود عدد أقل من حالات العدوى في المناطق الريفية، إذا بدأت في التكاثر، فقد تكون العواقب وخيمة. لحماية أنفسهم، قامت العديد من المجتمعات الريفية بإغلاق الطرق لتجنب العدوى القادمة، مما يؤثر على اقتصاداتها الإنتاجية، حيث لم يعد بإمكانهم الخروج وبيع منتجاتهم.
نحن بحاجة إلى أشكال جديدة من (إعادة) التوزيع، والاعتراف، والمساواة في المشاركة السياسية من أجل حماية البناء الجماعي للحياة، والموئل، والسكن، ولكي نفعل ذلك يجب علينا:
- توسيع آليات المشاركة الديمقراطية المباشرة على مستويات مختلفة بغض النظر عن الجنس أو التوجه الجنسي أو الطبقة أو العمر أو العرق أو الدين أو القدرة البدنية أو العقلية
- محاربة العلاقات السلطوية والمحسوبية والأبوية والتمييزية بين المواطنين وبين المواطنين والدولة.
- ضمان المساواة بين جميع المهاجرين كأشخاص ذوي حقوق.
- توسيع عمليات اللامركزية والاستقلالية البلدية وآليات المشاركة المباشرة للمواطنين في تخصيص وتنفيذ الإنفاق الحكومي.
- ضمان الوصول إلى المساعدة الاجتماعية والاقتصادية والتقنية والقانونية اللازمة لتغيير الموائل.