حالة المملكة بعد مائة يوم:مغرب غامض و بوادر "صراع " حول الهوية الدينية
بقلم: عبد الرحيم المنار اسليمي
إلى أين يتجه المغرب بعد مائة من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي ؟رغم انه من الصعب الحسم في الأداء الحكومي خلال هذه المدة، ولكن من الممكن رصد بعض المعالم الكبرى لحكومة عبد الإله بنكيران ، فالتقييمات الرائجة في المغرب حاليا تعتمد بشكل اكبر على تتبع وتأويل الخطاب الذي ينتجه وزراء حزب العدالة والتنمية في الحكومة أو الخطابات المضادة لباقي وزراء الائتلاف الحكومي ، أو أنها تعتمد على ما كان يقوله حزب العدالة والتنمية في الماضي، لما كان في المعارضة، دون الوقوف على ملاحظة ما يجري أمامنا،فالأمر لا يتعلق فقط بحكومة ناتجة عن نتائج انتخابات 25 نونبر، ولكن عن قيادة حزبية جديدة للحكومة جاءت بها رياح الربيع العربي ،الأمر الذي يقتضي تقييم عمل هذه الحكومة ،بقيادة حزب إسلامي ، من مدخل درجة التأثيرات التي تمارس على النظام السياسي و درجة التغييرات في قواعد لعبته السياسية خلال المائة يوم .
فالثابت،انه بعد مائة يوم لازال جزء كبير من الطبقة السياسية تحت وقع مفاجأة فوز حزب العدالة والتنمية ،ينظر إلى حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية وكأنها حكومة “قضاء وقدر” وليست نتاجا لصناديق الاقتراع ،مقابل ذلك ،يلاحظ ان حزب العدالة والتنمية نفسه ،وهو يقود الحكومة لم ينتقل بعد إلى لعب دور مصدر للسلطة ،فهو لم يستوعب كليا بعد، بطريقة سيكولوجية ، انه حزب يمارس السلطة ، فهو لازال سيكولوجيا يمارس دور المعلق او الفاضح لما يجري أمامه ، من هنا يمكن فهم ظاهرة اشتغال القطاعات الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية على “الفضائحية”،من خلال رفع حدة درجة الخطاب حول محاربة الفساد دون فعل ،هذا الخطاب الذي تسرب الى المجتمع ولازال المجتمع في مرحلة انتظارية لما هو قادم ، او حالة بعض القطاعات الحكومية التي يقودها وزراء من العدالة والتنمية الذين عمدوا إلى نشر لوائح ل “حاملي الكريمات “والمدعومين ماليا” من جمعيات للمجتمع المدني وهيئات صحافية…، فالحصيلة كبيرة على مستوى المعلومات الموجهة الى المجتمع، لكنها تقدم بأسلوب ينحو في اتجاه “الفضائحية ” أكثر من إجراءات سياسات عمومية ،وبالتالي، فالسؤال المطروح حاليا هو حول الكلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية النفسية لتصريحات أعضاء حكومة بنكيران التي تقف الى حدود الآن عند مستوى الخطاب دون فعل ؟
لكن خارج هذه الحالة من التأرجح بين ممارسة السلطة ودور المعلق ،فان هناك ثلاث علامات كبرى تسترعي الانتباه داخل النظام السياسي المغربي بعد مائة يوم من عمل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية :
العلامة الأولى ، وتتمثل في التساؤل عن درجة التعايش السياسي التي وصل اليها النظام السياسي المغربي بين المؤسسة الملكية والحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ، فقد لاحظنا ان العديد من الوزراء المنتمين الى حزب العدالة والتنمية يصرحون في مناسبات متعددة ان الحكومة الحالية مدعومة من طرف الملك ،فهل فعلا دخل المغرب مرحلة تحالف سياسي جديد بين المؤسسة الملكية وحزب العدالة والتنمية؟ فالنظام السياسي المغربي عاش تحالفات في الماضي منها تحالف المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية في مرحلة حكومة التناوب ، ويبدو ان مضمون تصريحات وزراء العدالة والتنمية تعبر عن بداية ميلاد تحالف جديد لازالت معالمه غير واضحة ،هل هو تكتيكي مرحلي ام انه استراتيجي ؟ أضف إلى ذلك ان حجم التنازلات التي يقدمها كل طرف داخله لازالت غير واضحة .
العلامة الثانية ،وهي ترتبط بشكل التوازنات السياسية التي يعاد بناؤها بعد انتخابات 25 نونبر وصعود العدالة والتنمية وموت حركة 20 فبراير ، اذ يلاحظ ان الدولة تسعى نحو تقوية وتنظيم حركة السلفيين الإسلاميين وتحويل الحركات الإسلامية الى حركات متعددة منقسمة ،وفي نفس الوقت مراقبة شيوخ السلفية والمراجعات التي يقدمونها وهم خارج السجون ،وهو خيار سياسي يبدو مؤقتا نظرا لحالة المعارضة الحزبية التي تعاني من بداية “ضعف مستديم” بيمينها اكثر من يسارها، قد يتحول الى بداية ” موت بطيء”إذا لم يتم انقادها في مؤتمراتها القادمة . ويبدو أن الدولة، بعد مائة يوم ،يقودها حزب إسلامي تقابله في الشارع تنظيمات إسلامية منها من هو قابل للاستيعاب ومنها من هو “منفلت” يلعب دور “المفاجئ للتوازنات السياسية التي يعاد بناؤها .
العلامة الثالثة ،وتتعلق بمخاطر بداية انزلاق نحو صراع الهوية الدينية وتوابعها ،فالانطباع الذي تقدمه التصريحات الحكومية في المائة يوم الأولى يتجاوز فكرة “حكومة انقاذ ” يقودها حزب العدالة والتنمية الى إعطاء انطباع مفاده ان المغرب يبدا حياته بعد 25 نونبر، وانه بدون ماضي وبدون تراكم وكأنه يبني هوية جديدة، وهو خطاب له مخاطره في لحظة تبدو فيها نفسية المجتمع في المائة يوم الأولى مضطربة نتيجة انقسامها بين “الخائفين”و”المفاجئين”و “الحماسيين ” و”الصامتين المنتظرين” ، مقابل ذلك، يبدو حزب العدالة والتنمية وهو يقود الحكومة غير قادر على التوفيق بين المشروعية الشعبية الناتجة عن صناديق الاقتراع والمشروعية الدينية المرتبطة بمرجعيته الإسلامية المراقبة من طرف حركة الإصلاح والتوحيد ، والصراع داخل هذه الثنائية هو الذي يقود حكومة حزب العدالة والتنمية بأحد أجنحتها إلى الانزلاق تدريجيا من الدستوري إلى الديني المتمثل في بداية تطعيم بعض إجراءات السياسات العمومية بنفحة دينية ( الإعلام ،المالية ،قضايا عرض إشهار بين الحلال والحرام …) ، مقابل ذلك تجتهد تيارات أخرى داخل المجتمع (يسارية او علمانية ) في تكييف وتأويل كل حدث وربطه بالمحافظة والتدين ،وإنتاج مقاومات تنظيمية لجناح العدالة والتنمية في الحكومة وتحميلهم أحيانا قضايا مبهمة ، الشيء الذي يعني ان المغرب يشهد لأول مرة في تاريخه انزلاقا نحو الصراع حول الهوية الدينية ، فالقضية الدينية تعود هذه المرة، بطريقة رسمية ، الى الواجهة عبر السياسات العمومية ،مقابل ذلك ، ينزع الدين مرة أخرى نحو اللامركزية في المغرب (كثرة الفتاوى)، في وقت تبدو فيه مؤسسة العلماء شبه غائبة عن الصراعات الجارية ذات الحمولة القادمة المرتبطة بالهوية الدينية .
بعد مائة يوم من حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية يبدو المغرب في صورة “الناجي” من تأثيرات الربيع العربي بمكوناتها الاحتجاجية ،فحركة 20 فبراير ماتت نتيجة دور أساسي في التوازنات لعبه حزب العدالة والتنمية بوصوله الى الحكم ، لكن المائة يوم الأولى يبدو فيها أيضا أن المغرب لازال غامضا، فحكومة حزب العدالة والتنمية ينظر إليها كأنها حكومة “قضاء وقدر”،حكومة بدأت في إنتاج بعض إجراءاتها التي تقابل بأنها ذات “حمولة دينية” من طرف تنظيمات سياسية ومدنية تتعالى أصواتها بأنها ” حارسة للحرية ” ،في صورة تحمل مخاطر صراع قادم داخل دولة ليست جديدة ،دولة عمرها ستة وخمسين سنة منذ الاستقلال الى اليوم لها تجربة دستورية منذ 1962، فلننتظر ماهو قادم لما بعد مائة يوم …