حوار مع الخبير في شؤون الشرق الأوسط روزبه بارسي: الأزمة السورية والتوترات الطائفية اللبنانية
تؤدِّي أعمال العنف المستمرة في سوريا منذ أكثر من عام إلى إذكاء التوتّرات الطائفية والسياسية في لبنان، حيث شهدت الساحة اللبنانية مؤخرا اشتباكات مسلحة. سابينا كاساغرانده تحدَّثت إلى الخبير في شؤون الشرق الأوسط روزبه بارسي من معهد الاتِّحاد الأوروبي للدراسات الأمنية في باريس حول أسباب هذا الصراع.
انتشرت أعمال العنف الطائفي بين السُّنة والعلويين من مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى العاصمة بيروت، الأمر الذي يثير المخاوف من جديد من احتمال امتداد الصراع الدائر في سوريا إلى جارتها لبنان. لذلك ما هي العلاقة بين كلا الصراعين؟
روزبه بارسي: يجب علينا أن نتذكَّر أنَّ سوريا ولبنان ما تزالان تشكلان على نحو ما وحدة واحدة على الرغم من مرور نحو مائة عام على انفصالهما. كما أنَّ الروابط القائمة بين هاتين الدولتين والمجتمعين كثيرة ومتنوِّعة. وهذا يعني أنَّ كلَّ ما يحدث في أي من البلدين يكون له تبعات ونتائج في البلد الآخر. وفيما يخص سوريا كانت الحكومة السورية تحاول دائمًا – بسبب قوَّتها النسبية بالمقارنة مع لبنان – التأثير في السياسة اللبنانية وأن تكون هي المحرِّك الأساسي لسياسة لبنان، خاصة في عهد آل الأسد – وفي عهد حافظ الأسد أكثر مما يحدث في عهد نجله بشار. من الممكن أيضًا ملاحظة ذلك من خلال طريقة تدخّل سوريا في لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
لقد مكث السوريون في لبنان نحو ثلاثين عامًا أثناء فترة الاحتلال السوري للبنان…
يرى روزبه بارسي أنَّ لبنان يعاني من “تصدّعات هيكلية” رسَّخها الدستور الطائفي المعمول به منذ عام 1926 وحتى يومنا هذا بارسي: نعم هذا صحيح. والملاحظ في حالة لبنان أنَّ هناك منذ البداية شيئًا ما يمكن أن نسميه أيضًا باسم “التصدّعات الهيكلية” التي لم يجرأ أحد حتى الآن على التعامل معها أو لا يوجد أحد يعرف حقًا التعامل معها. وبتعبير أبسط: هذا البلد لديه دستور طائفي يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، وهذا يعني أنَّ النظام السياسي مقسَّم حسب المجموعات العرقية أو الدينية التي ينتمي إليها الأهالي. وهذا التقسيم ما يزال يستند إلى تعداد سكَّاني يعود إلى بداية الثلاثينيات. ولكن منذ ذلك الحين لم يتم إجراء أي إحصاء رسمي في لبنان.
أنت تقول إنَّه تم إدخال بعض التحسينات البدائية، ولكن لم يتم إجراء أية تغييرات جذرية. هل تعتقد أنَّ سبب المشكلة برمَّتها يكمن إذًا في ضرورة إصلاح النظام الدستوري برمَّته وإعادة تشكيله لأنَّه قديم جدًا؟
بارسي: المشكلة نفسها موجودة في العراق، ولكنها ملحة أكثر هناك مما هي عليه في لبنان. نحن لدينا هنا بلد مقسَّم كثيرًا أو قليلاً على طول خطوط قبلية وطائفية. ولذلك لا يتعلَّق الأمر بالتفكير والتعامل في أشكال ديمقراطية. وبالتالي إنَّ ما تفعله الدولة هو أن تأمل للحظتها في التمكّن من إرضاء الجميع وذلك من خلال توزيع عائدات الدولة بحيث يحصل كلّ فرد على جزء صغير من هذه العائدات. ولكن إنَّ ما كان يراد به في البداية أن يكون حلاً مؤقَّتًا تم ترسيخه على هذا النحو. لقد تم ترسيخ هذا الوضع بدلاً من أن يتم ولفترة محدَّدة إعطاء كلِّ فرد – بصرف النطر عن انتمائه الطائفي أو العرقي – شيئًا ما وجعل جميع الأهالي مواطنين. إذ إنَّ الناس يعلمون الآن ما يحصلون عليه بناءً على انتمائهم الطائفي.
وهذا يخلق بطبيعة الحال التوتّر بين الطوائف المذهبية والدينية المختلفة…
بارسي: أنا لا أحاول القول إنَّ الوضع قد بلغ هذا التوتّر فقط بسبب التقصير قبل ذلك في بذل الجهور والمحاولات. ولكن أقول إنَّ هذه المشكلة هي مشكلة أساسية. كما أنَّ لبنان يعدّ بلدًا فيه المدن والمناطق مقسَّمة حسب انتماءات سكَّانها العرقية أو الدينية المختلفة. ولأنَّ هناك في لبنان جيشًا لا أحد يثق به في الحقيقة ولا يستطيع فرض سلطته في جميع أنحاء البلاد، وتحديدًا بسبب فشله في الحرب الأهلية اللبنانية، صار الجميع اليوم يتجنَّدون بحسب العلاقات العائلية. وهذا يعني أنَّ كلَّ مجموعة ما تزال مثل ذي قبل تتبِّع استراتيجية المحفاظة على ميليشياتها الخاصة من أجل ضمان بقائها.
إذًا التوتّرات الطائفية كانت دائمًا جزءً من تاريخ لبنان. ولذلك يبدو أنَّ دولة الأرز تشبه برميل بارود من الممكن أن ينفجر في أية لحظة. هل يمثِّل الصراع في الدائر في سوريا الآن الشرارة التي من شأنها إشعال النار في هشيم لبنان؟
تحت الضغط وبين نيران الجبهات المتحاربة – أمر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد تبادل إطلاق النار في طرابلس الجيش اللبناني بالتحرّك لمنع وقوع المزيد من أعمال العنف بارسي: أعتقد أنَّ هذه مبالغة كبيرة. ولكن المشكلة أنَّنا لا يمكننا النظر إلى لبنان بمعزل عن محيطه. لا يبدو الوضع كأنما قرَّر الجميع فجأة في آخر المطاف تصحيح الأمور ومحاولة وإعادتها إلى نصابها – كما لا توجد أية مؤشِّرات تشير إلى ذلك. ولكن إذا كانوا سيفعلون ذلك فعندئذ سيتخلى عنهم الجميع. وهذه هي المشكلة مع دوله مثل لبنان. وفي حقبة الثمانينيات نقلت العراق وسوريا خلافاتهما إلى لبنان بسبب العداوة التي كانت سائدة بينهما وبسبب تحالف حافظ الأسد مع إيران. ولأنَّهما كانا لا يريدان خوض حرب رسمية بجيوشهما، فقد قاما بتكليف مجموعات مختلفة خاضت عنهما هذه الحرب بالوكالة في لبنان. ويبدو أنَّ من شأن هذا الواقع أن يطيل مدة الصراع. وهذا الصراع الدائر في سوريا يمتد حاليًا إلى لبنان المجاورة – وذلك تحديدًا لسببين: أولاً تعتبر الحدود اللبنانية السورية سهلة الاختراق، وثانيًا توجد في لبنان مجموعات مختلفة تمثِّل وتدعم مختلف أطراف الصراع الدائر في سوريا. وكذلك تسعى أيضًا الحكومة السورية إلى خلق انطباع يفيد بأنَّها هي وحدها من يضمن الاستقرار والحياة الطبيعية في المنطقة. وبهذا المعنى تمكَّن النظام السوري من زيادة الشعور بالقلق على لبنان لدى الجميع.
ظهر موقف لبنان الرسمي منذ بداية النزاع في سوريا قبل خمسة عشر شهرًا ضعيفًا إلى حدّ ما. إذًا ما هو الموقف الرسمي لحكومة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي من النزاع الدائر في سوريا؟
بارسي: أعتقد من كلِّ ما رأيته وقرأته أنَّ الحكومة اللبنانية تحاول أن تعطي انطباعًا يفيد بأنَّها غير مهتمة أي اهتمام في التدخّل أو حتى المشاركة في هذا النزاع.
دعا زعيم حزب الله الشيعي السيِّد حسن نصر الله مؤخرًا في خطاب متلفز إلى التزام الهدوء في لبنان. ما هو الدور الذي يلعبه حزب الله ضمن هذا السياق؟ وهل يمكن القول إنَّ حزب الله ما يزال يشكِّل حتى الآن القوة الكبرى في لبنان على الأقل على المستوى العسكري؟
هل سيمتد النزاع الدائر في سوريا إلى لبنان؟ وقعت مؤخرًا في مدينة طرابلس اللبنانية اشتباكات بين لبنانيين موالين ومعارضين لنظام بشار الأسد أسفرت على الأقل عن قتل سبعة أشخاص وجرح ثلاثين شخصًا بارسي: بكلَّ تأكيد، وأعتقد أنَّه ليس الأقوى فقط من الناحية العسكرية، بل كذلك هو الأقوى على العموم فيما يتعلَّق بالهيكل التنظيمي. وعلى الأرجح أنَّ حزب الله يستطيع التغلّب على أي منافس آخر – وحتى على الدولة عندما يتعلَّق الأمر بتقديم الخدمات الاجتماعية للبنانيين. وحزب الله يحاول الالتزام بضبط النفس، وذلك ببساطة لأنَّ هذه ليست المعركة التي يريد المشاركة فيها – لا في الداخل اللبناني ولا فيما يتعلَّق بالنزاع الدائر في سوريا. ومن ناحية أخرى يرتبط حزب الله ارتباطًا وثيقًا بالحكومة السورية، ولكن في الوقت نفسه يعتبر ظهور حزب الله بمظهر المدافع عن المقهورين والمظلومين جزءً من عقيدته وخطابه. ولكن في آخر المطاف لا يمكن لحزب الله فعل ذلك على أرض الواقع، لأنَّ الناس الذين يعانون من هذا الظلم والقمع هم سوريون ثاروا على النظام المتحالف معه. ولذلك حاول حزب الله تأمين رهاناته قليلاً وكذلك عدم المقامرة بكلِّ شيء من أجل الحكومة السورية وفي الوقت نفسه عدم إدانة الآخرين بصراحة.
حذَّر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في نهاية شهر أيار/مايو الماضي من وجود خطر حقيقي يهدّد بانتقال الثورة السورية إلى لبنان. هل تعتقد أنَّ هناك ما يدعو حقًا إلى القلق من اندلاع حرب أهلية جديدة في لبنان؟
بارسي: أنا أعتقد وآمل أن يكون هذا الأمر غير محتمل. وحاليًا ما تزال الاشتباكات تدور بوتيرة منخفضة وعلى المستوى المحلي بين منطقتين، مثلما هي الحال في شمال لبنان. ولكن ما يزال يجب وبكلِّ تأكيد حدوث ما هو أكبر من ذلك لكي يحتدم الصراع ويتحوَّل إلى حالة حرب أهلية شاملة.
ما هي آثار هذا النزاع على الاستقرار الإقليمي؟
بارسي: قام مؤخرًا مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان بزيارة للبنان أثناء وجود نائب الرئيس الإيراني في لبنان، حيث يلعب الطرفان اللعبة نفسها. إذ إنَّ الإيرانيين يدعمون حكومة ميقاتي، وذلك لأنَّها تخضع لسيطرة حزب الله وحلفائه ويعدون اللبنانيين بعقود طاقة ووعود أخرى. وكذلك يفعل الأمريكيون الشيء نفسه، ولكن بشرط ألاَّ يتدخَّل حزب الله. وهكذا يوجد لدى كلِّ طرف حصانه الذي يراهن عليه في السياق اللبناني. ولذلك أنا لا أعتقد أنَّ أي منهما يريد التصعيد. ولكن المنافسات السياسية تعدّ جزءً من اللعبة السياسية في لبنان. ولكن إذا قدِّر لما يحدث حاليًا في شمال لبنان أن يتحوَّل على أرض الواقع في يوم ما إلى حقيقة في العاصمة بيروت، فعندئذ سيكون خطر إشراك حزب الله في هذا الصراع أكبر بكثير. وإذا أقدم شخص ما على قرع باب حزب الله في ضواحي بيروت الشيعية فعندئذ سيكون حزب الله بطبيعة الحال مضطرًا للرد. ولا أحد يعرف ما الذي سيحدث حينها. ولكنني أعتقد أنَّ حدوث ذلك يحتاج شخصًا يتعمَّد صب الزيت على النار. وهنا لا يسعنا سوى الأمل في عدم وجود شخص غبي إلى هذه الدرجة ليقوم بفعل ذلك.
أجرت الحوار: سابينا كاساغرانده
ترجمة: رائد الباش
عن موقع دويتشه فيله 2012