الإصلاح العربي وحـوار مـع أيمن عبد النور
نشرة الإصلاح العربي :عدد شهر تشرين الثاني /نوفمبر
ماذا فعل الرئيس بشار الأسد بخصوص الإصلاح السياسي منذ تولى السلطة؟
بدأ نظام بشار الأسد عهده بحماس واندفاع كبيرين من اجل تنفيذ عملية الإصلاح في كافة القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقضائية أيضا. بدأ بشكل سريع بإصلاحات في القطاعين الاقتصادي و القانوني، تم إصدار حوالي 1200 قانون ومرسوم تشريعي لتنظيم عملية الإصلاح في كافة القطاعات وذلك خلال السنوات الثلاث الأولى من حكم النظام.
في بداية عهد النظام الحإلى اطلق الرئيس بشار حرية التعبير عن الرأى للجميع ولاحظنا ذلك من خلال بيانات بعض المثقفين ومجموعة الألف، لكن من الواضح ان هناك قوى من داخل النظام نفسه استغلت عدم نضوج بعض قوى المعارضة وعدم خبرتها وعدم وجود تجارب سابقة لها وأوعزت إلى هذه القوى لرفع سقف مطالبها إلى تغيير الدستور والنظام نفسه والمطالبة بانتخابات حرة مباشرة والدخول في النظام الديمقراطي الكامل دفعة واحدة بدون تحول تدريجي، مما دفع النظام إلى الانقلاب والانغلاق واعتقال عدد من قوى المعارضة عام 2001 وعلى رأسهم عضوي البرلمان رياض سيف ومأمون حمص في ايلول من ذات العام.
بعد ذلك استمر النظام في التشدد لمدة عام ونصف حتى هدأت مطالب المعارضة بالإصلاح ثم بدأ النظام مرحلة التحضير للمؤتمر القطري لحزب البعث في حزيران 2005 وحينها عاد إلى التمهيد لخلق مناخ جديد لإحداث دفعة جديدة من الإصلاحات السياسية ضمن مؤتمر الحزب. وهنا أعطى هامش اكبر من الحريات وتحركت المعارضة مرة أخرى وظهرت البيانات بل وحصلت بعض الجمعيات على تراخيص للعمل بشكل طبيعي وانتشرت مواقع الانترنت وزادت الاجتماعات العلنية والمنتديات. كل ذلك مهد بالفعل لإصدار قرارات وتوصيات إصلاحية هامة ضمن فعاليات مؤتمر حزب البعث السابق الإشارة إليه، وكان التعويل على تنفيذ تلك القرارات لإحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية في سوريا.
في تلك الأثناء حدث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري مما أدى إلى تجميد الوضع الإصلاحي قليلا خصوصا مع تسمية القاضي الألماني ميليس لأسماء كبيرة في النظام وتوجيه أصبع الاتهام لهم بالمشاركة في اغتيال الحريري والتهديد بمحاكمة دولية بل وعقوبات واحتمال تغيير النظام. أسفر كل ذلك إلى خوف النظام وانغلاقه على نفسه والاعتماد على اقرب المقربين ووقف الإصلاحات تماما بما فيه الإصلاح الاقتصادي، وجعل الأولوية للأمن.
هل هناك تأثير للمعارضة السورية في الخارج – خاصة جبهة الإنقاذ الوطني – على النظام السوري؟
النظام السوري لديه إحساس انه قوي وآمن جدا ويقف على ارض صلبة – وذلك وفقا للتصريحات الصادرة عنه – وهو واثق انه لا يمكن تغييره.. والنظام لديه فكرة أن الإطراف الدولية الفاعلة التي يمكنها ممارسة الضغوط والتأثير عليه وعلى رأسها الولايات المتحدة غارقة في مشاكل كبيرة بسبب الحرب في العراق. وبناء عليه فان النظام في سوريا مطمئن إلى استحالة فرضية أي تدخل عسكري في سوريا لتغيير النظام هناك على غرار ما حدث في العراق. والقوى السياسية السورية المعارضة في الداخل والخارج ترفض ان تأتي على الدبابة الأمريكية – والمثل العراقي ماثل في الأذهان – بالإضافة إلى ان التنسيق بين قوى المعارضة في الداخل والخارج ضعيف جدا. وأخيرا فان القوى الوطنية في الداخل لديها مشكلات… فهي لا تستطيع ان تعقد اجتماعات هامة او مؤتمرات جماهيرية فاعلة نظرا لوجود قانون الطوارئ الذي لا يسمح بهذه الأنشطة بل ويجرمها.
والاهم من هذا كله ان القوى الوطنية في الداخل ليس لديها اموال تدعم انشطتها وليس لديها وسائل اعلام يمكنها من خلالها توصيل برامجها. واعتقد انه من ضمن المشاكل التي تواجهها قوى المعارضة في الداخل انها ليس لديها من يحمل صفات القائد صاحب الكاريزما المؤثرة في الشرائح السورية المختلفة وعلى رأسها الشباب. فأعمار رؤساء الجبهات المعارضة تعدي 65 عاما ومازالت تمارس الخطاب التقليدي الذي لا يتناسب مع الجيل الجديد، بينما أعمار 57 بالمائة من سكان سوريا تحت 19 سنة. وهذه الفئة العمرية في حاجة إلى شاب يحسن التعامل معهم ويخاطبهم حسب رؤاهم الحديثة للأمور ويتحدث اللغات الأجنبية ويرتدي الازياء الحديثة ويحضر المؤتمرات ويتعايش معهم في الشارع والمطعم والحدائق العامة حتى يندمج معه الناس.
لماذا يعتقل النظام السوري الناشطين في مجالات حقوق الإنسان والمجتمع المدني خلال الشهور الماضية؟
النظام السوري يعيش حالة دفاع عن النفس في المرحلة التي تلت تقارير ميليس وحتى فترة قريبة سابقة ,ويشعر انه محصور في الزاوية ومحاصر من المجتمع الدولي والعربي على حد سواء. فالأنظمة العربية التي كانت تعد حليفة للنظام السوري مثل مصر والسعودية لم تعد كذلك واستبدلت سوريا بالأردن رغم مناشدة الرئيس بشار الأسد لإعادة إحياء محور سوريا – السعودية – مصر.
والمجتمع الدولي وعلى رأسه اوربا وامريكا كان قد عزل سوريا خلال الفترة الماضية وبالتإلى لم يجد له مخرجا سوى إيران، فالنظام يشعر ان هناك تهديدات خارجية كبيرة له. فأغلق على نفسه وجمّد الإصلاحات السياسية وأوقف فعاليات المعارضة السورية واعلامها ومنتدياتها وتفرغ لمواجهة الخارج. واعتقل ميشيل كيلو وانور البني نتيجة القلق الذي يشعر به وليس نتيجة الخوف من التغيير، لأن النظام في النهاية لا يخشى المعارضين لأنه يفهم مسبقا أنهم حتى لو نزلوا إلى الشوارع فلن يخرج الشارع السوري خلفهم ثائرا عن بكرة ابيه لتغيير النظام.
هذه الاعتقالات في صفوف المعارضة تمنح النظام فرصة لالتقاط الانفاس لمواجهة القوى الاسلامية المتطرفة الموجودة حاليا في سوريا بالاضافة إلى مواجهة الخارج بالطبع.
أعلن الرئيس بشار مؤخرا عن استعداد بلاده لإجراء محادثات مع إسرائيل بخصوص الجولان. اذا استؤنفت المفاوضات السورية-الإسرائيلية هل لذلك من تأثير على الإصلاح السياسي في الداخل؟
الرئيس بشار ووزير خارجيته ونائب وزير الخارجية أعلنوا عدة مرات استعداد سوريا لإجراء محادثات سلام مع اسرائيل وهناك قوى في إسرائيل ترغب في ذلك. لكن الفيتو يأتي دائما من الولايات المتحدة لتمنع اسرائيل من بدء تلك المفاوضات كي لا تفك العزلة الدولية عن سوريا. فالمفاوضات بين إسرائيل وسوريا حول الجولان اذا بدأت سوف تقوي النظام كثيرا وتعزز من مكانته الدولية ومحلية ايضا باعتبار انه يناضل من اجل العيش في سلام من ناحية وتحرير الجولان من ناحية. وفي هذه الحالة سوف يعطي ايحاء ان كل الأفكار التي كان النظام يتبناها كانت صحيحة، وسوف يوحى ان الصمود والتحدي الذي مارسه النظام طوال السنوات الماضية هو الذي اجبر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وإسرائيل على بدء تلك المفاوضات وبالتالي يرتفع رصيد في الشارع السوري. والنقطة الاهم انه سوف يسحب ورقة الجولان من احزاب المعارضة سواء في الداخل ام في الخارج وبالتالي سيحرمها من المزايدة على النظام والحديث عن تغييره او الحلول محله، وإذا حدث ذلك فانه من المتوقع ان يبدأ بعد عام في إنشاء الأحزاب والمنابر السياسية.
بالتالي النظام لن يخشى من الأحزاب لأنه سيكون قد سبقها في كل الملفات سواء الجولان او الإصلاح السياسي والاقتصادي وحتى على المستوى الاجتماعي أيضا فان النظام لديه أجندة سوف يسبق بها قوى المعارضة.
ما هي أولويات الإصلاحيين السوريين في الوقت الحالي؟
الإصلاحيون سواء كانوا اساتذة جامعات او في حزب البعث أو المستقلين أو رجال الدين ينشطون من اجل مزيد من الإصلاح والحريات وإجراء انتخابات في الإدارة المحلية ومجلس الشعب وأيضا تخفيف قبضة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى بالإضافة إلى حرية الإعلام. وكل هذه المطالبات تم طرحها على المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث وصدرت بها توصيات لكنها لم تنفذ على ارض الواقع. والآن المطالبات تتزايد بضرورة تنفيذ تلك التوصيات بإحداث قانون انتخابات وقانون الأحزاب وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وتعديل المادة الثامنة في الدستور والترخيص للمحطات الفضائية والأرضية والصحف، وإذا ما تم ذلك فانه سيتكفل بتغيير كامل للحياة السياسية في سوريا.
ماذا عن الموقع الإليكتروني الخاص بك (www.all4syria.org)، وهل يمكنك مخاطبة السوريين من خلاله ؟
موقعي محجوب منذ عام 2004 ومنذ ذلك الحين نرسله إلى القراء عبر البريد الإلكتروني كنشرة تحوي بعض المقالات والأخبار، المشكلة انه ليس لدينا إعلانات تدعم استمرار الموقع نظرا لأن عدد كبير من التجار يخشى حدوث اي مشاكل مع النظام. حاولنا تطبيق تجربة ان يكون لدينا اشتراكات ونوفر دخلا نتمكن من خلاله دفع اجور الموظفين القائمين على الموقع، إلا أن الناس غير معتادين على دفع أموال واشتراكات في اشياء غير ملموسة. وأخيرا لجأ النظام نفسه إلى اتباع ذات الأسلوب وذلك بتمويل إصدار نشرات ومطبوعات وإطلاق مواقع يكتب فيها المسئولين أنفسهم بأسماء مستعارة، والذين يخططون للنظام اكتشفوا ان الحد الأقصى لمطالعة الفرد السوري على الانترنت هي ساعة واحدة يوميا ولذلك قرروا إشغال تلك الساعة من وقته بنشر بعض الحوادث المثيرة التي تشغله عن قضاياه الحقيقية.
أيمن عبد النور محلل سياسي وخبير اقتصادي في حزب البعث الحاكم في سوريا.