الانترنت والصحافة الالكترونية .. إلى أين؟
بقلم: بسام القاضي
”نسعى لإيجاد قانون ينظم الإعلام الإلكتروني بحدود إيجاد حريات مسؤولة”. هذا ما أكده السيد طالب قاضي أمين، معاون وزير الإعلام، في ندوة “الصحافة الخاصة إلى أين؟” التي عقدت في المنتدى الاجتماعي بدمشق مساء يوم الاثنين (29/1/2007). مضيفاً: غداً سوف يأخذ الإعلام ما أقوله ليعمل منه قصة!
هذا صحيح. فالسيد قاضي أمين يعرف أن مشروع قانون الإنترنت برمته هو “قصة”. قصة لم تكتمل فصولها بعد. لكنها قيد الإعداد! قصة سوف لن تفعل إلا أن تضيف بقعة سوداء إضافية على سجلنا “الخاص” بالانترنت الذي وضعنا في مواقع متقدمة من القائمة السوداء!
ولأن الحديث هام جداً وخطير، خطير بكل ما في المعنى من كلمة، فإننا سنتناول هنا بعض القضايا المتعلقة التي طرحت في الندوة. العالم.. وقوانين الانترنت
ليس جديداً على مسؤولينا أن يسارعوا لدعم ما يريدونه بالقول: كل بلدان العالم فيها كذا.. لكن أحداً منهم لا يجد بين يديه وثيقة واحدة، بالاسم والتاريخ، تثبت ما يقوله. والسيد طالب قاضي أمين أكد، في رد على الزميلة ردينة حيدر، عضوة فريق عمل نساء سورية، أن كل بلدان العالم فيها قوانين للانترنت.
دعونا نصحح هذا الأمر. ليس على طريقة السؤال الإحراجي: قل لنا أية دولة، وما هو رقم القانون؟! فلا السيد معاون وزير الإعلام، ولا غيره جواباً.
ليس في أي من دول العالم، المتقدم أقله، ما يدعى بقانون تنظيم الانترنت! والانترنت مباح ومفتوح دون أي شروط لمن كان. والقوانين المتعلقة به هي قوانين جنائية عادية تتعلق بأي إعلام آخر.
مثلا: هناك قوانين لممارسة التجارة، وكيفية إعلان الأسعار، ودفع الضرائب… الخ. وهي تشمل كل نشاط تجاري، بضمنه النشاط التجاري على الإنترنت.
مثل آخر: هناك قوانين تجرم وصول المواد الإباحية بسهولة للأطفال. وهي تشمل المطبوعات، والتلفاز، وأيضا الانترنت.
لكن ليس هناك أي قانون يتعلق بالانترنت حصرا.
والأهم، ليس هناك أي قانون يقترب من قريب أو بعيد بما يسعى مسؤولونا إليه: ترخيص المواقع. السيد طالب قاضي أمين أكد أن الأمر ليس ترخيصاً. فقط : علم وخبر! أي أنه يجب على كل موقع أن يقدم “علماً وخبراً” بوجوده، وباسم مديره المسؤول! ونحن نعرف جيداً هذه “العلم والخبر” من تجربة مريرة، تزداد مرارة يوماً بعد يوم، مع قانون الجمعيات القراقوشي.
حتى هذا، ليس لدى السيد معاون وزير الإعلام، كما ليس لدى غيره، أي دليل على وجود مثل هذه القوانين في العالم.
ولعلم من لا يعلم، لا يحتاج حجز موقع على الانترنت وإدارته سوى أن تمتلك وسيلة دفع الكترونية، (والكثير من وسائل الدفع مجهولة الهوية). ثم خلال ساعات يكون موقعك تحت تصرفك. وهذا الإجراء هو الساري سواء كنت في واشنطن، أو طوكيو، في مقديشو أو دمشق.. فهل ينسجم هذا مع وجود أي قانون “علم وخبر، واسم المدير المسؤول”؟! بالطبع لا.
إذا، إن إطلاق مثل هذا القانون، سواء كان مستقلا خاصا بالانترنت، أو مضمنا في قانون مطبوعات جديد يجري إعداده، سيكون سبقا لسورية. ولكن، للأسف، سبق معيب ومخجل!
من يحدد “الحرية المسؤولة”؟
في تبريره لوجود مثل هذا القانون، خاصة لضرورة أن يضع كل موقع اسم المدير المسؤول، قال السيد معاون وزير الإعلام أن المسألة فقط هي من أجل “الحرية المسؤولة”!
لكن السيد قاضي أمين، كما أي مسؤول آخر في هذه الحكومة، أو في أية حكومة سابقة، أو في أية حكومة على وجه الأرض، لم ينجح حتى الآن في تعريف هذا المصطلح الذي يبدو أنه ينتمي إلى اللغة السنسكريتية: “الحرية المسؤولة”! فماذا تعني هذه “المسؤولة”؟ ومن يحدد إن كانت “مسؤولة” أم لا؟
مثلا: إذا كان هناك وزير أو وزيرة لا يعجبها ما يطرحه “نساء سورية”، هل تصير هذه الحرية “لا مسؤولة”؟! كما حدث حتى اليوم مع الكثير من المواقع والنشرات الإلكترونية؟!
الواقع أن لا شيء يدعى “الحرية المسؤولة”. إنها مجرد عبارة منمقة للسيطرة على الإعلام الالكتروني أسوة بكافة أشكال الإعلام الأخرى. إلا أن المشكلة هنا أن غالبية دول العالم وصلت إلى قناعة أن هذا الإعلام خارج على كل سيطرة. وأنه يجر العالم وراءه قدماً باتجاه المزيد من الحرية، أعجب ذلك “العالم والمسؤولين” أم لم يعجبهم. وتلك العبارة، هنا، ليست إلا كلمات مطاطة (رغم تأكيد السيد قاضي أمين أن قانون المطبوعات الجديد سيخلو من “العبارات المطاطة”!) سوف لن تكون إلا سيفاً مشرعاً على رقاب الناس.
الحجب.. المباح..
في سياق حديثه أكد السيد طالب قاضي أمين أن هدف الحجب هو حماية مجتمعنا. واستند بشكل خاص إلى المواقع الإباحية.
لا يبدو أن أحداً في هذه الحكومة يتابع الانترنت عبر المخدمات السورية! وإلا لعرف، بشكل أو بآخر، أن جل المواقع الإباحية مفتوحة عبر مخدماتها! خاصة عبر مخدميها الأساسيين: الاتصالات، والجمعية السورية للمعلوماتية. بينما يعرف الجميع ما هي طبيعة المواقع المحجوبة!
ولأن طبيعة هذه المواقع ليس من ضمن اهتمامنا، فإننا سنكتفي هنا بتوجيه نصيحة للمسؤولين عن الحجب في سورية: إما اتبعوا دورات متقدمة في “فقه” الانترنت، وليس في كيفية إنشاء اتصال! وإما اطلبوا من خبرائكم أن يقدموا لكم تقريراً في الشأن ذاته. لأنه حان الوقت لكي تعرفوا أن سياسة الحجب في سورية، كما في أية دولة أخرى، لا تفعل سوى أن تسيء للذي يحجب! إذ لا يوجد، لحسن الحظ، حتى الآن أية طريقة لمنع وصول الأخبار عبر الانترنت، سوى طريقة واحدة: أن يلغى الانترنت ذاته! وكل ما تفعلونه في هذا الشأن هو المزيد من السمعة السيئة، وبعض الصعوبة للمستخدم يمكنه تجاوزها سريعاً.